بعد دراستي للتسويق marketing , واجهتني صعوبات في التطبيق على السوق المصري , و وجدت نفسي أمام سؤال قادتني اليه الظروف و ووجهت به من قبل بعض الزملاء , ألا وهو : هل التسويق من جهة النظر الحديثة قابل للتطبيق بمصر أم لا ؟ و عزز من أهمية هذا السؤال أن السوق المصري بشكل عام مازال من وجهة نظر التسويق الحديث في مرحلة البيعselling stag ولم يصل الى مرحلة التسويق marketing stage , و مرحلة البيع تقوم أساسا على أن هناك انتاج وفير لايجد من يشترية في سلع معينة ونفي نفس الوقت هناك احتياجات للمستهلك لم تلبى بعد , وللأسف الشديد كل الكتب والمراجع تتكلم عن مرحلة البيع على أنها مرحلة مضت وانتهت من وقت بعيد ! ولا تدلنا على كيفية التعامل مع هذه المرحلة , ففي حين تعتمد مرحلة أو عصر التسويق على فكرة ارضاء المستهللك بكافة السبل والمبالغة في الرفاهية والرعاية , فان مرحلة البيع تعتمد على البيع بالضغط المستمر على مندوبي المبيعات لزيادة المبيعات ولو بالطرق غير الأخلاقية مثل ادعاء ميزات غير موجودة في السلعة أو مثلا استخدام فتيات جميلات في البيع للتأثير الزبون من أجل شراء سلعة لا يحتاجها أو معيوبة أو لصرف انتباهه عن عيوبها , وايضا تعتمد مرحلة البيع على الضغط المستمر والمكثف على المستهلك من خلال الأعلانات المكثفة عبر التليفزيون و وسائل الميديا المختلفة بغرض التأثير عليهم ودفعهم لشراء سلع لا يحتاجونها فعليا من خلال زرع احساس بالنقص لديهم والدونية اذا لم يشتروا هذة السلعة , وكذلك مخاطبة الأطفال وباقي أفراد الأسرة لتدفعهم الى الألحاح في طلب شرائها من رب الأسرة (مثلا أصبح طلب الأطفال من أهلهم اقتناء موبايل بكاميرا شيئا عاديا و الا تعمق الأحساس لديهم بالدونية والحرمان ! )
,احد أهم الأساليب أيضا هو تحميل السلع على بعضها مثال ذلك : جهاز نزع الشعر للسيدات تجده مثلا في عرض + جهاز سيشوار بثمن أقل من مجموع ثمن الجهازين , فيشتريه المستهلك استخسارا رغم أنه قد لا يحتاج جهاز السيشوار , وكذلك اضافة سلع غذائية راكدة مثلا جيلي بطعم البطيخ الى عبوات جيلي فراولة بسعر توفيري فيخاطب الحس التوفيري فيشتري السلعة وربما يجد نفسه رمى بجيلي البطيخ في سلة المهملات !
وكذلك من أهم سمات عصر أو مرحلة البيع أن ينتشر الأحتكار مثل احتكار شركة حديد عز للحديد , واحتكار شركات الأسمنت وكذلك احتكار شركة شيبسي لسوق البطاطس و مقرمشات الذرة (مثلا كثيرمن الناس قاطعوا في فترة من الفترات بطاطس لايز أيام ازدهار المقاطعة واتجهوا للشيبسي في حين أن شركة شيبسي هي من ينتج المنتجين ! )
ولا شك أن هذه السمات كلها أو معظمها غير أخلاقية non ethical من منظور قواعد التسويق الحديثة و كذلك غير شرعية من وجهة نظر الشرع ! بل ان بعض هذه الوسائل تندرج تحت بند الغش ! و البعض الأخر يندرج تحت بند النصب !
بعد هذه المقدمة التي لابد منها نرجع الى سؤالنا هل قواعد التسويق الحديثة تنطبق على السوق المصري أم لا ؟
والحقيقة أن للسؤال وجاهته مما دفعني لمحاولة الأجتهاد والبحث لأجابة هذا السؤال
والطريق للأجابة على هذا السؤال يمر عبر فه مطبيعة السوق المصري وسلوكيات المشترين أو المستهلكين في مصر consumer behavior وكذلك سمات التجار والبائعين العملية البيعية بشكل عام لتتكون بذلك صورة متكاملة عن السوق المصري وبعد اكنمال هذه الصورة يمكن الأجابة عن السؤال
السوق المصري سوق عشوائية بها نقص شديد في المعلومات , ولا تقوم فيه الحكومة بالدور التنظيمي المنوط بها ويزيد على ذلك التعقيدات الحكومية الكثيرة وكذلك جهل المستهلكين بحقوقهم و نقص وعيهم بما ينفعهم أو يضرهم , وكذلك غلبة عدم الأمانة في التعامل سواء من البائع أو المستهلك !!
- قلة الثقة بشكل عام عند المستهلكين وتشككهكم الدائم الناتج من قلة الأمانة المنتشرة في السوق هذا أدى الى أن المشترين كثيرا ما يدققون على أشياء بعينها مثل الضمان مثلا لكن لنقص الوعي لا يتم الألتفات مثلا الى جوانب أخرى مثل استهلاك الكهرباء مثلا , وهذا يؤدي الى أن البائعين يدعون أن هناك ضمان اعتمادا على أن المستهلك سيتكاسل عن الأتصال أو أيضا اختفاء الشركة برمتها بعد أن يتم بيع الكمية المرادة من هذه السلعة والأتجاه نحو صفقة أو سلعة أخرى !
وكذلك أدى شعور عدم الثقة الى اتجاه كثير من المستهلكين الى الماركات المشهورة , ,اصحاب الماركات المشهورة بدورهم يستغلون ذلك ويبيعون بأسعار مضاعفة وأزيد كثيرا من أسعار هذه السلع في الخارج ! بل وتكون هذه السلع بجودة منخفضة ,اقل من جودتها بالخارج !! واستغلال الأعتقاد السائد بأن الغالي ثمنه فيه ووضع أسعار مبالغ فيها جدا , وقد شاهدت بنفسي ماركات شهيرة ألمانية لجهاز ترمومتر للأطفال عن طريق الأذن باهظ الثمن حوالي 300 حنيه و تكررت الشكوى منه كثيرا , رغم أنه ماركة شهيرة وكذلك ألماني و الوكيل قوي وشهير !
و يحدث نفس الشئ في جهاز الكيتشن ماشين الشهير , والشكوى منه عامة
أيضا أدت عدم الثقة الى أن من يحاول أن يقدم سلعة بسعر منخفض يواجه بالشكوك المبالغ فيها من قبل المستهلك والتعنت في عملية الشراء !
يستغل أصحاب المنجات المشهورة وضع السوق والثقة في الماركات [ان ينتجوا في أول الأمر سلعة ذات جودة عالية حتى يكتسبوا المزيد من ثقة المستهلك و ما أن ترتفع المبعات حتى يتم تقليل الجودة
استغلال ثقة سابقة لنفس المنتج للأيحاء بأن السلعة تحتوي على نفس الميزة مثل ما تفعله شركة هيونداي مع الأكسنت فاسهلاكها منخفض في البنزين ,ادعت الشركة أن هذة الميزة موجودة في لاحقتها الفيرنا وهذا غير صحيح على الأطلاق !
- استغلال عشوائية السوق , مثلا اسغلال الأرتفاع المستمر للأسعار , برفع السلع دون مبرر وذلك جلبا لمزيد من الأرباح وكذلك الضغط النفسي على المستهلك الذي يسارع بالشراء قبل أن يرتفع سعر السلعة للمرة الرابعة أو الخامسة , ألحق أشتري وخزن قبل متغلى كمان وكمان ! مما يسمى بالمضاربة وهي أشهر من نار على علم وخصوصا في العقارات والأراضي رغم كثرة المعروض في السوق الأ أن الأسعار تواصل الأرتفاع , و تجد أن ثمن الشقق في الصحراء أغلى كثيرا من سعرها داخل المدن القديمة عكس كل العالم وكلمة السر المضاربة !
- و الحكومة تضع عراقيل كثيرة لللأستيراد لا توجد في أي دولة مما يكرس الأحتكار وغلق السوق على المستوردين الحاليين فيزدادوا جشعا ! وكذلك يزداد التهريب لأن الطريق الشرعي لللأستيراد يكاد يكون مغلق !
- كذلك من قواعد السوق المصري أن السلع والخدمات المقدمة للأغنياء لها قواعد خاصة ! اليك هذه القواعد : اذا انخفضت السلعة الخاصة بألغنياء عالميا فأنها تنخفض محليا عكس سلع الفقراء والطبقة المتوسطة فانها دائمة الأرتفاع ! وكذلك يأخذ الغني أفضل العروض و الأسعار !
و ٍاعطي مثال على ذلك مثلا : عندما أردت أن أبيع شبكة ذهبية خسرت فيها حوالي 20 % ثمن المصنعية والدمغة والفصوص ! ,عندما بعت شبكة من الماس كانت الخسارة 10 % رغم ارتفاع سعر الألماظ عالميا ولما سألت البائع قال لي لو كان الفص قيراك فأكثر أشتريه منك بالسعر العالمي يعني لو كنت اشتريت شبكة ماسية فوق القيراط كنت كسبت فيها ولم أخسر , الخلاصة الفقير اذا باع يخسر وتقل الخسارة اذا كان من الطبقة الوسطى وتنعدم الخسارة وتنقلب الى مكسب اذا كنت غنيا !
مثال آخر اذا اشتريت شقة في منطقة شعبية تزيد مع ازدياد العقارات مثلا حوالي 15 % و لو المنطقة متوسطة تزداد حوالي 25 %
اما اذا كانت المنطقة راقية جدا فالزيادة لا تقل عن 100 %
اذا أراد الغني شراء سيارة يجد هناك عروض تقسيط بدون فوائد وفي معظم الأحيان تزداد ثمن سيارته بعد شرائها أما اذا حاول فرد من الطبقة المتوسطة شراء سيارة فالباقي تعرفونه !
مثال آخر : معظم الصيدليات في الأحياء الراقية تعطي خصومات على أسعار الدواء تصل الى 13 % , أما في الحياء الشعبية فالفقير يشتري الدواء يثمنه دون خصم !
- مثال هام لعشوائية السوق كثرة أنواع وماركات السيارات في مصر بأكثر بكثير من الدول المشابهة ! والجميع يؤكد على الجودة والضمان , والأسعار كلها تقريبا أغلى من الأسعار فى الدول الأخرى (حتى بعد حذف الجمارك وضريبة المبيعات )
- سلوك القطيع في الشراء , فعندما تنتشر سلعة تجد الكل يتكالب عليها رغم عدم حاجتهم اليها , مثلا موبايل بكاميرا أو mp3 أو games ومعظم اللمستخدمين فوق الخامسة والعشرين لا يحتاجون ذلك و قد لا بعرفون كيفية تشغيله ! تدفع في ميزة لا تستخدمها ولا تستفيد بها , كل ذلك بغرض الوجاهة الأجتماعية ودافع سلوك القطيع
- سلوك القطيع في الأستثمار والمشاريع و الأمثلة كثيرة : البورصة , مراكز الأتصالات , محلات الموبايلات , محلات اللانجيري , محلات الطرح الحريمي , الكوفي شوب , وامثلة قديمة : الشاي , السمنة الصناعي بطعم البلدي , مساحيق الغسيل , السيراميك
- مصر بلد شهادات و بلد ماركات ( وهذا يندرج تحت سلوك القطيع)
- غلبة ثقافة الشطارة على المجتمع (وهي شطارة غير حقيقية وتحقق الخسارة على المدى المتوسط والبعيد ) و المشتري يريد أن يشتري منك بأبخس الأسعار مما يدفع البائع الى غشه , فمثلا الفصال الدائم يجعل البائع يرفع السعر ليضع في اعتباره هامش الفصال , فيظلم بظلك الزبزن المحترم الذي لا يفاصل , واأدهى ا نهذا الزبون المستنصح هو من يخدعه بائع آخر غير أمين بأن يدعي صفات و مميزات غير موجودة او ادعاء أنه بيبعها بخسارة لأنه بيصفي أو لأنها آخر قطعة وعايز يروح , فيشتريها بأكثر من ثمنها , والبائع يريد أن يغالط في الحساب أو يوهمك بأهمية السلعة وكله شطارة ولدي أمثلة طريفة عندما كنت أشتري قطع ذهبية كهدية من مصر الجديدة , فكلما وضعت يدي على قطعة يخبرني البائع انها سويسري أو ألماني ويبالغ في المصنعية و ظننت أني ذوقي راقي لا سمح الله , لكني لم أشتري لأني لا أحب الخسارة والدهب كدة كدة مسيره يتباع فذهبت الى محل آخر وتكرر نفس السيناريو ! لكني قلت له هذه المرة وريني الصري وبدأت أختار منه , وجدت بعض القطع التي ادعى المحل السابق أنها سويسري !
- ايضا عندما كنت اشتري أثاث منزل الزوجية , دخلت اكثرمن خمسة وعشرين معرض أثاث والكل يؤكد أنه ليس مجرد معرض لكن عنده مصنع أو ورشة أيضا , و اذا وجدت تفاوتا كبيرا في أسعار غرف متماثلة يحلفون لك أنها مختلفة أنت بس اللي مش واخد بالك أو يقولون الأشكال متشابهة لكن الخشب مختلف وطبعا خشبهم أحسن خشب !
- قاعدة من أهم القواعد في مصر : اللي سبق أكل النبق ! نعم , اللي بنى مصنع من أربع سنين يتمتع باعفاء 10 سنين من الضرائب , أما اذا بنيت مصنعا الأن لا يوجد اعفاءات و, الذي بنى بناء مخالف في الثمانينيات أو التسعينيات تم التصالح معه , اما اللأن فلا يوجد تصالح , وكذلك تخصيص الأراضي سواء الصناعية او بغرض البناء ! كله اللي سبق أخذ النبق , وكذلك من تهرب من الضرائب في الماضي جاء القانون الجديد ليعفوا عنه , عفا الله عما سلف و أي قانون يعاقب الملتزم , مش بقولكوا ده سلوا بلدنا اللي سبق أكل النبق !
قواعد الشراء في السوق المصري :
1- استثمر في العقارات فهي دائمة الأرتفاع في مصر (نظرا لظروفها الطبيعية بنقص الأراضي السكنية و ثقافة البناء ! )
2- عندما تشتري عقارا فكر كما يفكر الأغنياء , أين سيشترون ؟ ثم ضع فلوسك وأنت مطمئن ! أن يشترك اثنين أو ثلاثة في شراء شقة في منطقة راقية أفضل من أن يشتري كل واحد مهنم شقة منفردا في منطقة شعبية أو نص نص !
3- عند شراء سيارة اشتري المشهور التي يسهل بيعها ولا تشتري على أساس احتياجاتك !
4- لا تتهور وتفكر في مشروع انتاجي , والا ستواجه بكم من التعقيدات الحكومية لا تتصورها ولمن لا يصدقني فليدخل على موقع هيئة الرقابة على الصادرات والواردات و حاول أن تتعرف على الأجراءات و الأوراق المطلوبة للتصدير ! , أيضا ستواجه بنقص في العمالة المدربة , كسل العمال وعدم التزامهم , ناهيك عن عدم الأمانة , وأيضا عندما تعرض سلعتك على الموزعين أو المحلات ستواجه بمحاولتهم الدائمة ليخسفوا بثمن بضاعنك الأرض , حتى ولو جئتهم بأسعار أقل من أسعار السوق سيطالبونك بأقل , وستفاجأ بأنهم ستركون أسعارك الأقل ويشترون من من تعودوا على الشراء منه ولن يقبل أن يشتري منك الا بسعر يحقق لك خسارة مؤكدة , ناهيك عن صعوبة التحصيل وعدم الأمانة و مرتجعات البضاعة , فمثلا لو كسر منه شيء سيقول انك أرسلتها له هكذا ليجعلك تتحملها , وعند قبض الفلوس سينقصها بدعوى أنه وجد موردا بسعر أقل ولو عاجبك ! , ولن أتكلم عن ضريبة المبيعات وكيف انها (اذا التزمت بها) ستلتهم الربح , و كذلك منافسة السلع الصينية !
أو تفاجأ أن المستهلك يشتري و يفضل السلعة الأغلى لأنها ماركة , حتى ولو كانت سلعتك أكثر جودة !
و لو نجحت بعد كل ذلك ستجد من يقلدونك مثل السيل الجرار حتى ولو كان السوق لا يتحمل دخولهم , فتكون النتيجة خسارتك وخسارتهم !
5- اياك والثقة في البائع حتى ولو تكرر الشراء منه و فسيأتي وقت يخدعك فيه !
انها ببساطة ثقافة الشطارة ! لا يوجد أجد بفكر المدى البعيد أو المحافظة على الزبون , أقصى ما يمكن الحصول عليه أن يقول لك هعوضهالك المرة الجاية !