مقدمة
الغالبية العظمى من التعليقات و المقالات المكتوبة عن خطاب أوباما الموجه للعالم الأسلامي , لا تعدو أن تكون انطباعات – مثل حلو , جميل , متفائل , خطوة جيدة , عادي , مكرر , أي كلام , و هو ما لا يمت للتحليل و لا التناول العلمي بصلة ! و كل هذا يعتبر نوع من أنواع التهريج ! أو الهزل أمام خطاب تاريخي لابد أن يؤخذ بجدية شديدة و يستتبعه خطوات علمية عملية
و هو ما نحاول أن نقوم به في موضوعنا هذا , بعد أن هدأ – و لو نسبيا – غبار الزيارة , التي تم التعامل معها مثل المولد ! أو كتابات التهييس
طبيعة الخطاب
كلمات الخطاب منتقاه بعناية , و هي تجعل كل من يقرأها يقبل أو يتفق مع بعض ما فيها ولا يتفق مع البعض الآخر , و روعي أن أن الخطاب مقروء من المسلمين و الاسرائيليين و الأمريكيين و الإيرانيين , فسعى أن يرضي الجميع ببعض الكلمات و في نفس الوقت يوجه رسالة مباشرة لكل طرف بما ينبغي عليهم فعله , في محاولة لجعل الخطاب متوازنا
و حسب عادة الأمريكان في حبهم لأستخدام الأقوال المقتبسة , روعي في الخطاب أن يمكن أن يقتبس منه ! فنجد في النسخة الأنجليزية بعض التعبيرات البلاغية
مستغلا كاريزمته استخدم أوباما في خطابه نفس أسلوبه في مخاطبة الأمريكيين , بأداء دور الملهم لكن هذه المرة موجها كلامه إلى المسلمين – حاول أن يكون ملهما بالكلام عن التسامح و الأرضية المشتركة و احترام الأخر , و الديمقراطية و الدفاع عن حقوق المرأة و تصحيح صورة الأسلام و حل بؤر الصراع الرئيسية بين الغرب و المسلمين
أكثر الجمل إيجابية في الخطاب:
لابد من ألفت النظر لشئ هام و هو يبين كيف أن هذا الخطاب تمت صياغته بدقة فائقة , هذا الأمر هو أنه لم يحيينا بالسلام عليكم ! انما قال حسب ترجمتي للنص الإنجليزي :
كما أنني أشعر بالفخر أن أحمل معي حسن نية(أو مشاعر الود) الشعب الاميركي ، وتحية السلام من الجاليات المسلمة في بلدي : السلام عليكم
I am also proud to carry with me the goodwill of the American people, and a greeting of peace from Muslim communities in my country: assalaamu alaykum.
أي أن الذي يقول لنا السلام عليكم هم أبناء الجالية الإسلامية !!!
ننتقل للجمل الإيجابية :
عنوان الخطاب : بداية جديدة
لقد أتيت إلى هنا للبحث عن بداية جديدة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي استنادا إلى المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل
ولا يمكن لخطاب واحد أن يلغي سنوات من عدم الثقة كما لا يمكنني أن أقدم الإجابة على كافة المسائل المعقدة التي أدت بنا إلى هذه النقطة
كما يجب أن يتم بذل جهود مستديمة للاستماع إلى بعضنا البعض وللتعلم من بعضنا البعض والاحترام المتبادل والبحث عن أرضية مشتركة
ليس هناك أي شك من أن الإسلام هو جزء لا يتجزأ من أميركا
ونظرا إلى الاعتماد الدولي المتبادل فأي نظام عالمي يعلي شعبا أو مجموعة من البشر فوق غيرهم سوف يبوء بالفشل لا محالة
إنما يجب معالجة مشاكلنا بواسطة الشراكة كما يجب أن نحقق التقدم بصفة مشتركة
وليس هناك أي شك من أن وضع الفلسطينيين لا يطاق ولن تدير أميركا ظهرها عن التطلعات المشروعة للفلسطينيين ألا وهي تطلعات الكرامة ووجود الفرص ودولة خاصة بهم.
سوف تكون تصريحاتنا التي تصدر علنا هي ذات التصريحات التي نعبر عنها في اجتماعاتنا الخاصة مع الإسرائيليين والفلسطينيين والعرب
وبالمثل من الأهمية بمكان أن تمتنع البلدان الغربية عن وضع العقبات أمام المواطنين المسلمين لمنعهم من التعبير عن دينهم على النحو الذي يعتبرونه مناسبا فعلى سبيل المثال عن طريق فرض الثياب التي ينبغي على المرأة المسلمة أن ترتديها. إننا ببساطة لا نستطيع التظاهر بالليبرالية عن طريق التستر على معاداة أي دين
أنا لا أعتقد أن على المرأة أن تسلك ذات الطريق الذي يختاره الرجل لكي تحقق المساواة معه كما أحترم كل امرأة تختار ممارسة دورا تقليديا في حياتها ولكن هذا الخيار ينبغي أن يكون للمرأة نفسها.
أعلم أن هناك الكثيرين من المسلمين وغير المسلمين الذين تراودهم الشكوك حول قدرتنا على استهلال هذه البداية وهناك البعض الذين يسعون إلى تأجيج نيران الفرقة والانقسام والوقوف في وجه تحقيق التقدم ويقترح البعض أن الجهود المبذولة في هذا الصدد غير مجدية ويقولون إن الاختلاف فيما بيننا أمر محتم
والسؤال المطروح علينا هو هل سنركز اهتمامنا خلال هذه الفترة الزمنية على الأمور التي تفرق بيننا أم سنلتزم بجهود مستديمة للوصول إلى موقف مشترك وتركيز اهتمامنا على المستقبل الذي نسعى إليه من أجل أبنائنا واحترام كرامة جميع البشر
I consider it part of my responsibility as President of the United States to fight against negative stereotypes of Islam wherever they appear
أكثر الجمل سلبية في الخطاب :
إن متانة الأواصر الرابطة بين أميركا وإسرائيل معروفة على نطاق واسع. ولا يمكن قطع هذه الأواصر أبدا وهي تستند إلى علاقات ثقافية وتاريخية
إن نفي هذه الحقيقة (أي الهولوكوست) هو أمر لا أساس له وينم عن الجهل وبالغ الكراهية
ومساعدة الشعب الفلسطيني على الاعتراف بشرعية إسرائيل واختيار سبيل التقدم بدلا من السبيل الانهزامي الذي يركز الاهتمام على الماضي.
المكاسب و النقاط الإيجابية
1- الخطاب و الزيارة يسهمان بشكل كبير جدا في تحسين صورة الإسلام و المسلمين, و الحق أننا في احتياج شديد لهذا التحسين , بالإضافة للدعاية التي تشجع الأفراد في الغرب على محاولة فهم الإسلام – من رئيس اكبر دولة في العالم-
2- غير مسبوقة دعاية لمصر و معالمها
3- الخطاب و الزيارة بها تودد واضح للمسلمين و محاولة جادة لطي صفحة الماضي و فتح صفحة جديدة , بل هي أقصى ما يمكن لرئيس أمريكي أن يقدمه من تودد و رسائل ايجابية , بل ان مطالبته بأكثر مما قام به – حتى الآن ضرب من الخيال , انما نطالبه بتفعيل ما قال و نحن و مهاراتنا في الحصول على أفضل الإتفاقات
4- الخطاب به رسالة واضحة و مؤكدة بإقامة دولة فلسطينية
5- الخطاب به تعهد بتسهيل ممارسة المسلمين في الولايات المتحدة لدينهم و شعائرهم و محاربة أي نوع من التمييز ضدهم , و بشكل متساوي في الفرص مع بقية الأمريكيين
6- الخطاب يدافع عن حق المرأة المسلمة في الحجاب و يدافع عنه بشكل قوي , أقوى من مجلس المرأة في مصر , و من دول عربية و إسلامية كثيرة ! مثل تونس و تركيا !
7- دفاعه عن الديمقراطية و كلام قديم لكن الجديد هو تأكيده على عدم فرض نموذج معين للديمقراطية و تركها لظروف و موروثات كل بيئة
8- استبداله لمبدأ بوش – من ليس معنا فهو علينا – بمبدأ أوباما – التعاون على أسس متساوية وليس مثل فلسفة بوش اليد العليا
9- تأكيده على رغبته في سحب جميع قواته من أفغانستان و عدم إقامة قواعد عسكرية بها
10- تأكيده على سحب جميع القوات الأمريكية من العراق بحلول 2012
11- زيادة التعاون العلمي والتعليمي و الدراسي بين الولايات المتحدة و العالم الأسلامي و كذلك في المجال الصحي
المحاذير
يقول : ويتعين على تنظيم حماس حتى يؤدي دوره في تلبية طموحات الفلسطينيين وتوحيد الشعب الفلسطيني أن يضع حداً للعنف وأن يعترف بالاتفاقات السابقة وأن يعترف بحق إسرائيل في البقاء
وأخيرا يجب على الدول العربية أن تعترف بأن مبادرة السلام العربية كانت بداية هامة وأن مسؤولياتها لا تنتهي بهذه المبادرة
و يقول لأيران : ونحن مستعدون للمضي قدما دون شروط مسبقة على أساس الاحترام المتبادل
أما اذا كان الخطاب للفلسطسينيين فهناك شروط !
و المحاذير هي النقاط التي يجب توخي الحذر منها
أولها هناك احتمالية و لو ضعيفة أن يكون كلامه لكسب معركة إعلامية و تحسين صورة أمريكا فقط دونما أي تطبيق لهذا الكلام على أرض الواقع , و الحذر بشكل عام واجب
ثاني هذه المحاذير هو أنه يطالب الدول العربية بأكثر من المبادرة العربية , التي هي أقصى ما يمكن تقديمه ! و هي الموافقة لأبسط قواعد العدالة و القانون الدولي , أما اذا كان يقصد تفعيلها أو نقلها من مرحلة الكلام إلى مرحلة الفعل فنعم
ثالث هذه المحاذير هو مطالبته لحماس بنبذ العنف (في حين أن تحرير أمريكا من الإستعمار البريطاني كان بالعنف !) , و الإعتراف بحق إسرائيل في الوجود , و هي تنازلات إن كان يجب تقديمها فيجب أن يكون ذلك في خلال مفاوضات و نأخذ أمامها تنازلات من الجانب الإسرائيلي أما أن نطالب حماس بتنازلات جوهرية دونما مقابل فهذا غير منطقي , بالإضافة أن مثل هذه التنازلات هي حكم على حماس بالموت السياسي و فقدان لشرعيتها وسط الفلسطينيين و هدم لأهم مبادئها التي قامت عليها ! فعلى الأقل اذا كنت تطلب منهم تضحيات مميتة أن تكون بمقابل !
لابد من نقل الصورة كاملة و واضحة لأوباما و التوضيح له أن حماس اذا فعلت ما يطلبه قبل أن تحرر فلسطين 67 فإنه ستخرج جماعات أشد منها تشددا و تسحب البساط من تحت أرجل حماس و هذه الجماعات التي ستنشأ لا يمكن التفاوض معها أصلا , بل و قد تلقي بالعديد من الفلسطينيين في أحضان القاعدة
رابع هذه المحاذير و أخطرها , هو أنه واضح جدا تصميم أوباما على إقامة دولة فلسطينية و غالبا بحدود 67 , لكنه لا نجد مثل هذا التصميم في مسألة القدس – أي أنه يتركها للتفاوض –
و بما ان إسرائيل لن تقدم أي تنازلات بدون ضغط مباشر وقوي من أمريكا فإنه يمكن توقع تنازل إسرائيل عن جميع أراضي الضفة و غزة لكنها لن تتنازل أبدا عن القدس الشرقية طالما لن تضغط إسرائيل عليها , و هو ما ينقلنا لنفس النهاية التي وصلنا إليها في عهد الرئيس كلينتون , أي فلسطين بدون القدس , و هو المربع رقم صفر ! بالنسبة للعرب و المسلمين , و تدل أنه لم يستوعب درس كلينتون – فلابد من توضيح الصورة كاملة له
الفرص المتاحة و التحركات المطلوبة
ليس بالآماني و – الفرجة – و الأكتفاء بالمشاهدة تتحق الأهداف !
لابد ان ننتهج سياسة الفعل و عدم الأكتفاء بردود الأفعال الباهتة أو مجرد المشاهدة !
*دروس التعايش من أوباما : ها هو رئيس أكبر دولة في العالم يأتي بدعوة لفتح صفحة جديدة و التعامل على أساس الإحترام المتبادل و نحن أي العرب لا نستطيع التعاون فيما بيننا و لا نستطيع تنفيذ اتفاق واحد من اتفاقاتنا مع بعضنا البعض ! و عن مصر , لا نستطيع أن نوجد تفهما حتى بين أبناء الإسماعيلية و بين أبناء الأهلي حتى ولو ألقى حسن حمدي مليون خطاب تصالحي في عقر دارهم في مدينة الإسماعيلية ليدعو أبناء القناة لفتح صفحة جديدة ! و لن أتكلم عن أقباط المهجر و نحن أبناء الوطن الواحد أفلا نجد صيغة غير التراشق بالكلمات و الأتهامات و سوء الفهم و سوء الظن المتبادل !
نحن أولى بالخطاب التصالحي من أوباما.
*لابد للعرب أن يتغيروا ليس دائما مفعول به في انتظار الأخر ان يعطي و يمنح أو يأخذ و يمنع
و بما اننا في السابق لم نحسن الحرب و لم نحسن اللعب مع اللاعب السابق – بوش صاحب اللعب الهجومي و العنيف - فها هي تغيرت قواعد اللعبة فهل نحسنها هذه المرة !
*لابد للعرب و المسلمين – و ليكن منظمة المؤتمر الإسلامي – في استغلال الفرصة لتقديم صورة صحيحة عن الإسلام و تقديم خطوات مقترحة لأنهاء حالة العداء مع الغرب مثل دعوة القاعدة إلى إعلان هدنة مع أمريكا و لتكن لمدة عام تثبت فيها حسن نوايا و صدق توجهها الجديد بالضغط على إسرائيل للإنسحاب من الضفة و غزة و القدس الشرقية , و سحب قواتها من العراق و أفغانستان على مراحل , فإذا صدقت تعلن القاعدة بإنتهاء الحرب , و أن يتم الإنسحاب الكامل من أفغانستان على أن تتم انتخابات حرة فإن اختاروا حكومة إسلامية فهو اختيارهم أما اذا لم يختاروا حكومة إسلامية فهي اذا مشكلة الشعوب الأسلامية و ليس ذنب أمريكا ! لنثبت لأمريكا أن أكثر المسلمين تطرفا يمكن أن يقبل بالسلام اذا كان عادلا أو على الأقل مقبولا و لتعلم القاعدة أنه لو ظلت الحروب عشرات السنين بين أمريكا و العالم الإسلامي فلن يستطيع أحد أن يقضي على الأخر !
دعوة أمريكا و العالم لأصدار عفو عام عن المنتمين للقاعدة التائبين , و هذا مبدأ قانوني معمول به في العالم كله بعد أي صراع دموي
* استغلال خطاب أوباما لتفعيل التبادل التكنولوجي و العلمي لكسر الحاجز التكنولوجي بيننا و بين الغرب
* استغلال الخطاب للمطالبة و الأتفاق على تغيير المناهج الدراسية التي تحمل تشويها للإسلام في الغرب
* أن يوحد الفلسطينيون جبهتهم و أن تعلن جميع الفصائل التوقف عن المقاومة بالعنف و توجيه خطاب بذلك إلى أوباما و عمل موقع إلكتروني على الإنترنت يسجل فيه كل الأنتهاكات الأسرائيلية منذ ذلك الخطاب ليمثل هذا إحراجا لأوباما و لقد تحمل الفلسطينيون ستون عاما فلن يضيرهم أن يتوقفوا عن المقاومة المسلحة لمدة عام لأبداء حسن النوايا و كسب الحرب الإعلامية ضد إسرائيل و أننا لا نمارس العنف لمجرد العنف !
و ليعلم جميع المسلمين أنه اذا كان أوباما صادقا هذه المرة و لم نستغل هذا الوضع للحصول على أعلى المكاسب و بأقل حد ممكن من الخسائر فلن يأتي رئيس أمريكي أبدا يتكلم عن فلسطين أو حقوقها ! حتى و لول كان هذا الرئيس الأمريكي اسمه محمد و مسلم !
إن المساحة المشتركة بين العالم الأسلامي و الغرب قد زادت بدون شك بعد هذا الخطاب و لابد أن نزيد من هذه المساحة و نحسن استغلالها لخدمة مصالحنا و مصلحة ديننا
أختم كلامي بجزء من كلام أوباما :
""لأن السبيل الوحيد للتوصل إلى تحقيق طموحات الطرفين يكون من خلال دولتين يستطيع فيهما الإسرائيليون والفلسطينيون أن يعيشوا في سلام وأمن.إن هذا السبيل يخدم مصلحة إسرائيل ومصلحة فلسطين ومصلحة أميركا ولذلك سوف أسعى شخصياً للوصول إلى هذه النتيجة""
و قد شرحت هذه الجملة قبل شهور في بوست :
مؤامرة ترضي جميع الأطراف ...!
""لكن علينا جميعا أن ندرك أن التعليم والابتكار سيكونان هما عملة القرن الواحد والعشرين. إنني أؤكد على ذلك.""
و هو ما نبهت اليه منذ شهور أيضا في أكثر من بوست
لكن أسئ فهمي كعادة سوء الظن عند العرب !