الأحد، 19 يوليو 2009

تأجيل الحج و العمرة - الراجح و المرجوح

كثر الكلام في الشهور الأخيرة حول مدى جواز تأجيل الحج و العمرة - خوفا من وباء إنفلونزا الخنازير - H1N1

و كنت مترددا في الكلام حول هذا الموضوع لسببين أولهما كان الإنتظار أو التمهل حتى تتضح حقيقة هذا الوباء و مدى خطورته , و السبب الثاني لترددي في الكلام حول هذا الموضوع هو أني كنت أرى أن مثل هذه الفتوى سهلة و ستصدر من العديد من المشايخ و العلماء , لكن الذي حدث أن الفتاوى كانت غالبها خطأ سواء المانع أو المجيز ! ووجدت نفسي مندهشا و متغيظا من علماء لا يحسنون الفتوى و لا يحسنون الأستدلال و لا يعرفون كيف يطبقون القواعد الفقهية ! فخشيت أن ءأثم بالسكوت عن إظهار ما أراه الحق في هذه المسألة
و كنت أود لو أن غيري كفاني هذا , حتى لا أتهم بإنتقاص العلماء أو بإقحام نفسي في الفتوى

لكي نصل للصواب في أي مسألة فقهية نحتاج إلى ثلاثة أشياء
أولها معرفة الحال - و في حالتنا - هي حال المسلمين , و أحوال الحج , و طبيعة و خطورة مرض إنفلونزا الخنازير
ثانيها معرفة الأحكام الفقهية الخاصة بالحج و العمرة و كذلك الخاصة بالتعامل مع الأوبئة
ثالثها عقل راجح يجتهد بإستخدام وسائل الأجتهاد ليخرج لنا الرأي الصواب في ضوء العناصر الثلاثة التي ذكرناها - طالبا من الله التوفيق - فالفهم رزق من الله

و وجدت للأسف أن معظم من تكلم إفتقد أحد العناصر الثلاثة أو أكثر !

وجدت البعض يرد و يعترض على إلغاء الحج ! رغم أنه ليس هناك أحد يطالب بذلك , لكن أقصى ما يطالب به هو أن يقتصر الحج على من هم داخل السعودية , فلا أعرف على من يرد ؟ اذا كان ليس هناك أصلا من طالب بإلغاء الحج !

و وجدت من العلماء من يدعو للإجتهاد الجماعي في هذه المسألة بين علماء الأمة و المجامع الفقهية , رغم أن المسألة ليست عويصة لهذه الدرجة ! إنما هي تحتاج إلي شجاعة و إلى عدم خوف لومة لائم في الحق ! أما المطالبة بإجتهاد جماعي فهو نوع من التقاعص و الهروب من المسئولية ! و لا حول و لا قوة إلا بالله

و وجدت الغالبية العظمى تتكلم عن الحج و العمرة معا - مع أن فرضيتهما في الأسلام ليست واحدة و لا يصح أبدا أن نضعهما في كفة واحدة ! ففرضية الحج لا جدال فيه بل هو الركن الخامس , أما العمرة فهناك أقوال تعتبرها مستحبة أي ليست واجبة , و أصح الأقوال ترى أنها واجبة لكن مرة واحدة في العمر فما زاد عن ذلك فهو مندون أو مستحب أو سنة , و العمرة يمكن القيام بها في أغلب شهور السنة - ما عدا شهور الحج فيمكن عملها مقترنة بالحج - , الخلاصة لا يصح الكلام عن العمرة و الحج على نفس الدرجة

ووجدت من يقول : فلا يصح إلغاء الحج خشية انتشار مرض انفلونزا الطيور، إذ إنه في حكم المظنون، ولا يمنع الواجب لظن
قلت : القاعدة المذكورة غير صحيحة أو غير دقيقة , فيكفي لأصدار الحكم ان يكون بغالب الظن و لا يشترط الوصول لليقين

و أسوأ منه من قال :
أنه في حالة انتشار الوباء، وتأكيد الأطباء حدوث ضرر حقيقي -وليس ظنيا- فلا مفر منه؛ فإن دفع الضرر المحقق (العدوى) مقدم على المصلحة، سواء كان أداء الحج أو العمرة، أو حتى الصلاة في المساجد، شريطة أن يقر الأطباء والفقهاء ذلك بشكل جماعي، مشيرا إلى أهمية عرض القضية على مجمع البحوث للتوصل إلى رأي نهائي فيها.

قلت : ذكر مسألة الظن التي علقت عليها سابقا , و هذا الشيخ يشترط أن يصبح الضرر محققا ! و أن يحكم بهذا الضرر اجماع الأطباء - و هو مستحيل عمليا !- , و بعد هذه الشروط التي ما انزل الله بها من سلطان , لا يتكرم علينا الشيخ و يصدر الفتوى بل إنه مطلوب عرضها على مجمع البحوث الأسلامية !
و يكفي للتدليل على مدى هزل و خفة هذا الكلام - و أنا أحس بمرارة و أنا أقول هذا - أنه في حالة الوصول لليقين أو الضرر المؤكد فإن المسلم لا يحتاج لفتوى فالأمر سيكون ساعتها واضح جلي لأي مسلم ! بل لو ذهب المسلم للحج ساعتها - عند الضرر المحقق - بناءا على فتوى هذا الشيخ أو أمثاله و مات هذا الحاج لكان حكمه مثل حكم المنتحر لأنه يصبح مثل من سمع كلام شيخ يقول له ألق نفسك في البحر لتصبح شهيدا !

و وجدت أيضا أحد المعلقين من العامة يقول :
لم يوجلو التجمعات الرياضية مثل كاس القارات فكيف نوجل فريضة الحج او العمرة

قلت : إن إجتماع السملين في صلاة الجمعة مثلا في المسجد الحرام أو المسجد النبوي يفوق في العدد أي تجمع في إستاد في اي بطولة و لو كانت بطولة كأس العالم - هذا أولا -
و ثانيا مدة إجتماع المسلمين تكون أطول و ليست لساعة أو إثنين , فهي في الحج تكون لأيام , و في عمرة رمضان يكون هناك إعتكاف في المسجد أي إقامة كاملة
ثالثا : هذا القارئ لم يفكر في العادات الصحية السيئة و التي يحكي عنها كل العائدين من الحج و العمرة و التي لا تماثل و لا تقارب عادات من يرتادون الأستادات في الغرب
رابعا : الحج يجتمع فيه أناس من أكبر عدد من البلاد بلا منازع - لكن اي إستاد في أي بطولة سيكون فيه كم من الجنسيات ؟ عشر جنسيات ؟ عشرون ؟ ليس أكثر , لكن الحج يقدم عليه المسلمون من كل البلاد حتى الغربية منها ! أي يتعدى المائة دولة بلا شك ! أي فرصة غير مسبوقة لأنتشار المرض و العودة به كل فرد لبلده أو محل إقامته !

و من أفتي بجواز التأجيل أو ناقش الموضوع , ارتكز أو استدل بحديث النبي صلى الله عليه و سلم المذكور في حالة إصابة بلد ما بالطاعون , و هو استدلال خاطي - للأسف - من وجهين , أولها أن الطاعون في عهد النبي صلى الله عليه و سلم كان مميتا اكثر بكثير من إنفلونزا الخنازير في عصرنا , و الإختلاف الثاني هو أن الطاعون وقتها لم يكن له علاج , بينما إنفلونزا الخنازير لها علاج ,

لابد أن نعلم أن معدل موت المصابين الإنفلونزا الموسمية - العادية - هو 0.05 % , بينما معدل موت المصابين من إنفلونزا الخنازير في الولايات المتحدة الأمريكية - حسب آخر إحصاء بتاريخ 18 - 7 - 2009 - هو 0.65 % , أي أن معدل الوفاة أكثر من عشرة امثال الإنفلونزا العادية ! و هي نسبة كبيرة , و تزعج الغرب و خصوصا أن معدل إنتشار المرض كبير و سريع جدا ! و لا ننسى أيضا أنهم يقدرون النفس البشرية - و ليس مثلنا -

و هناك من أصاب في جزء من المسألة مثل :

ويقول الشيخ عبد الله الفقيه مشرف الفتوى بالشبكة الإسلامية:

فلا يجوز للمسلم تأخير حجة الفرض إذا كان مستطيعاً بحجة الخوف من العدوى من أمراض يتوقع حصولها

قلت : قصر الشيخ و لم يذكر حكم من أراد الحج بعد الفريضة

وفي دبي دعا كبير المفتين في دبي، الدكتور أحمد عبدالعزيز الحداد، العازمين على أداء العُمرة الى «تأجيلها لحين استقرار الوضع الصحي العالمي، في ظل تزايد رقعة إنتشار فيروس إنفلونزا الخنازير, وحث في فتوى المسلمين على تقليل التكدس في المساجد، والتفرق في ساحاتها، إتقاء لأي عدوى.
قلت: جزاه الله خيرا - فتوى سليمة

ومن جهة ثانية نصح وزير الصحة السعودي د. عبدالله بن عبدالعزيز الربيعة بعض المرضى وكبار السن والحوامل بتأجيل العمرة والحج هذه السنة
و قد سمعت مثل هذا الكلام من وزير الصحة المصري الدكتور حاتم الجبلي , و كان ظاهرا من كلامه ميله لتأجيل الحج و العمرة هذا العام , و اتهم الشيوخ بإلقاء المسئولية على وزارة الصحة و لمح أنه غير مخول بالفتوى , و هذا في لقاء تليفزيوني على قناة المحور مع الراحل محمود فوزي

و هناك شئ أود أن ألفت النظر إليه , أن شركات السياحة في مصر تضغط لكيلا تصدر فتوى بتأجيل الحج و العمرة هذا العام و تطالب بتعويضات (و هم الذين جعلوا أسعار الحج من مصر أغلى أسعار حج في العالم أغلى من الحج من أمريكا و كندا رغم ارتفاع سعر التذاكر من أمريكاو كندا ثلاثة اضعاف) !!! و لا يجب أن ننسى أن وزير السياحة المصري يمتلك عدة شركات سياحية !
و هذا يبرر لماذا يريد العلماء المصريون أن تصدر الفتوى بشكل جماعي !!! حتى يهربون من أي ضغوط !

و قرأت رأيا لمفتي الأردن يقول فيه أن تأجيل الحج و العمرة شئ يرجع للسلطات و علماء السعودية
قلت : كيف أترك الرأي للسعودية و هي صاحبة مصلحة و يدر عليها الحج و العمرة دخلا كبيرا !!! سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الدولة أو على مستوى أصحاب الحظوة من أصحاب الشركات السياحية داخل المملكة !

و بناءا على ما سبق و غيره , فالصواب في هذه المسألة هو كالتفصيل التالي :

أولا العمرة : المشاهد أن أكثر من ثمانين بالمائة من المعتمرين يؤدون هذه الشعيرة للمرة الثانية أو أكثر (و للأسف لا نملك في العالم الأسلامي أي إحصائات دقيقة حول أي شئ !) , فالحكم بالنسبة لهولاء أنه مكروه و يجب ان يوجهوا بترك على الأقل هذا العام , أما بالنسبة لمن لم يؤدي العمرة من قبل , فعلى من يرى أن العمرة سنة و ليست واجبة , فالتأجيل جائز بل هو الأولى و بالنسبة لأهل مصر فالأولى أيضا الإلغاء لتوفير المبلغ المالي و ادخاره بنية الحج , فالحج ركن
و بشكل عام فلا أعلم أحد قال أنه لا يجوز تأجيل العمرة - حتى بدون سبب فما بالنا و هناك سبب - فالكلام كله حول عدم جواز تأجيل الحج اذا ما كان هناك إستطاعة

ثانيا الحج :
بناءا على كلام وزيري الصحة السعودي و المصري و هم أهل الأختصاص فالواجب تأجيل الحج على فئات الحوامل و الأطفال و مرضى الصدر , و من مناعتهم ضعيفة

أما باقي الفئات :
هناك أمر هام لم يتكلم عليه أي عالم , فالكلام كله عن الخطر على الحجاج , إنما الخطر الحقيقي و الأكبر هو من الحجاج عند عودتهم إلى بلادهم , فالحاج الذي يذهب لأداء ركن من أركان الأسلام ثم يموت فهو شهيد , لكن ما ذنب الذي يصاب بسبب الحاج عند عودته ؟
خطورة المرض أرى أنها أقل من خطورة ركوب الطائرة ذهابا للحج , فراكب الطائرة معرض للموت تقريبا بنفس الدرجة , لكن راكب الطائرة لا يهدد إلا نفسه و لا يهدد أحدا عند عودته من السفر ! و نحن نعلم الترحيب و الأستقبال للحاج !
من متابعتي لأرقام الحج في السنوات الماضية - و هي غير دقيقة - فإن عدد الحجاج يصل إلى 3.5 مليون حاج , منهم 2 مليون حاج على الأقل يحجون للمرة الثانية أو أكثر , و هؤلاء يعرضون أنفسهم و غيرهم للخطر , و منها أيضا أخطار الموت بسبب الزحام عند رمي الجمرات , و يغلون الأسعار على أخوانهم الحجاج الآخرين و بسبب إرتفاع أسعار الحج يمنعون مسلمين آخرين من القيام بالفريضة , فهو أشبه بالصد عن سبيل الله , إذ يمنعون 2 مليون حاج آخر من القيام بالفريضة ! و يعرضون انفسهم و غيرهم للأخطار , فالحج في حق هؤلاء من الواجب تركه , (و عدم قدوم هؤلاء يقلل نسبة الخطر بنسبة 60 % !!!)

قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً الكهف 103 - 104
و على العلماء أن يوجهوهم و إلا كانوا مقصرين في تبليغ العلم

ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَاهُمُ ٱللَّهُ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمْ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ الزمر 18

وَٱتَّبِعُـوۤاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُـمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُـمُ ٱلْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ الزمر 55

فلا يجب أن يتقاعس العلماء عن إرشاد المسلمين عن ما هو أحسن في الدين , فمن حج الفريضة فقعوده أحسن بلا ريب , و إنفاقه نفقة الحج في سبيل الله و وجوه الخير الآخرى بعد أن أدى الفريضة , هو أحسن له و للمسلمين

رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا

السبت، 18 يوليو 2009

صور بدون ناس ! بعدسة بلوجاتي